منذ 2011 ، شكّلت النساء التونسيات من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية، سَدًا منيعا أمام القوى المحافظة التي كانت ترمي إلى تحجيم مشاركة النساء والعودة بهنّ من الفضاء العام إلى الفضاء الخاص، وأكدن على حرصهنّ على ترسيخ مبادئ المساواة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على مكاسبهنّ القانونية.
ورغم هذا الواقع، لا نزال نلاحظ ضعفا كبيرا في نسب تواجد النساء في مراكز القرار في مختلف الهياكل الحكومية وفي الأحزاب والجمعيات والنقابات والسلط المحلية إلخ... رغم اعتقاد الكثيرين أن السقف المحدّد لمشاركة النساء قبل الثورة قد تحطّم، وأنّ النساء برهنّ على القدرة والكفاءة لخوض مجال العمل في الفضاء العام والمجال السياسي خصوصا. هذا وتزداد حدّة التباينات كلما توجهنا نحو المدن الداخلية أو الأرياف.
كانت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي دارت في أكتوبر 2011 والانتخابات التشريعية في سنة 2014 مناسبة هامّة لإبراز حضور النساء في المجالس المنتخبة ولترجمة تواجدهنّ المكثّف على الساحة العامّة خلال مختلف المراحل. إلا أن النتائج كانت دون المأمول، حيث بلغ عدد النساء في المجلس التأسيسي 49 نائبة من جملة 217 ، وتطوّر في 2014 مع اعتماد التناصف الأفقي ليبلغ 68 نائبة، وعلى مستوى رئاسة القائمات، تطوّر حضور النساء من 7 % في 2011 إلى 12 % في انتخابات 2014 .
أمّا خلال الانتخابات البلدية التي دارت في شهر ماي 2018 ، فقد ارتفعت نسبة المشاركة النسائية نسبيا خاصة بالنسبة إلى رئاسة القائمات الانتخابية لتبلغ 30.33 % من القائمات مقابل 69.67 % يرأسها رجال، مما أفضى إلى نسبة 47 % نساء في فائزات في الانتخابات البلدية، مقابل 52 % من الرجال. يعود هذا الارتفاع إلى القانون الانتخابي الذي نصّ على التناصف العمودي والأفقي، إلا أننا لم نجد انعكاسا لهذه النسب في عدد النساء رئيسات البلديات وذلك بسبب "التوافقات" الحزبية والحسابات السياسية.
حاول مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "كوثر" من خلال مختلف المشاريع البحثية المساهمة في فهم أسباب ضعف المشاركة النسائية بعد 14 جانفي 2011 خاصة في الجهات الداخلية، من خلال دعم أو انجاز بحوث وتقارير حول عديد المناطق مثال مدينة جمّال بولاية المنستير، مدينة قفصة، مدينة القصرين ومدينة توزر. وضمن هذا السياق، يواصل المركز جهوده في تدعيم مكانة النساء ومحاولة فهم أسباب ضعف هذه المشاركة وتجاوز التحديات والمعيقات التي تواجههنّ، وذلك من خلال تنفيذ مشروع مشترك مع وكالة التعاون الاسباني حول "مشاركة النساء والاعلام في الحياة العامة لحوكمة محلية
أفضل" . يسعى المركز من خلال هذا المشروع إلى الرفع من الوعي بأهميّة مساندة ودعم النساء للعب دور حقيقي وفعّال في الحياة العامّة ودعم قدرات لعدد من النساء في الولايات المعنية لضمان فعل مواطني ناجع وفاعل في مختلف محطات الاستحقاقات الانتخابية والسياسية في تونس.
وفي هذا الاطار، أعدّ المركز مسحا ميدانيا mapping لجمع ورصد وتحليل المعطيات والمؤشرات حول واقع مشاركة النساء في الحياة العامّة والحياة السياسية وفهم الأسباب المعيقة أو المساعدة لهذه المشاركة في ولايتي قابس وقفصة ضمن السياق المجتمعي والتاريخي للجهة.
يرمي هذا التقرير إلى التعرّف على واقع مشاركة النساء في الحياة المدنية والسياسية في ولايتي قابس وقفصة من خلال مسح لأهمّ المؤشرات العامّة ومؤشرات المشاركة، مدعوما بمعطيات تاريخية واجتماعية حول الجهة، بالإضافة إلى تحليل مقابلات مع جملة من الفاعلين المحليين لفهم واقع العلاقات والتفاعلات بين مختلف الفاعلين المحليين.
Return تحميل